كتب ملاخي يخاطب عصرًا يشهد تغيُّرات داخلية ينشأ أغلبها عن الصراع الثقافي بين العائدين من السبي والذين لم يغادروا بلادهم، أي شعب عائد من السبي عايش ظروفًا وخبرات متنوِّعة، وشعب لم يختبر الاغتراب خارج أرضه. وهذا يعني أن البلاد ضمت ما بعد السبي من لم يغادروها مطلقًا ومن عاد بعد أن قضى سنوات في أسر شعوب تختلف ثقافاتها وعباداتها عما ألفوه فيما قبل السبي، ولذا يطلق جون والتون John H. Walton على هذا السفر «سفر البحث عن الهوية». وما بين جماعة مستقرَّة وجماعة متغرِّبة يواجه ملاخي معادلة صعبة في عصره. والجدير بالذكر أن أغلب الشعب ما بعد السبي كانوا من لم يغادروا بلادهم مطلقًا مما كان سببًا في الكثير من المشاكل لأن العائدين ادعوا حق القيادة في المجتمع الجديد. (انظر مثلًا إشعياء ٥٧: ٣-١٣؛ ٦٥: ١-٩؛ عزرا ٦: ١٩-٢١؛ نحميا ٨: ١-٨). فكيف سيتم التعايش بين من لم يعايش أية متغيرات وبين من عايش-بل اندمج في شعوب مغايرة متباينة؟ وهل يمكن القول إن الشعب المأسور المسبي استطاع أن يحافظ بالتمام على نقاء ممارساته وعدم اختلاطها أو على الأقل تأثرها بما عايشه في الأسر؟ وهل يمكن الكلام عن وجود وجهات نظر مختلفة فيما يتعلق بالموضوعات الدينية والمجتمعية بعد العودة نتيجةً لاختلاف الفريقين–الذي لم يغادر والراجع؟ وماذا عن ممارسات أساسية ورئيسية لدى الفريقين مثل الختان والسبت؟ وماذا عن التعليم الجديد بدايةً من التكوين إلى التثنية كنتاج مكتوب في فترة السبي؟ (عز ٧: ٦، ١٠، ١٤). لقد وجد ملاخي أن المشكلة في أن (العهد) لم يعد هو الأساس في العلاقة بين الله والناس، وأن (التوراة) صارت حرفًا لا روحًا، هذا بالإضافة إلى وجهات النظر المتباينة إلى طرق العبادة وأماكنها، وقيم العهد والتزاماته. ويبدو أن الشعب (كهنة أو عابدين) قد فضَّلوا الهروب إلى بدائل تملأ فراغ العهد والتوراة وتشبع المشاعر الدينية لا أكثر، لذا وجَّه ملاخي خطابه للشعب والكهنة على السواء في صيغة مناظرة جدلية بينه وبين من يخاطبهم حتى يستعيد كلاهما توازنه فيفهم إلهه، وأيضا يستوعب رسالته وهي رسالة تتوجه للعبادة والعمل معًا لتكون حياتهم كاملةً أمام الله. ويؤكد ملاخي على أن الرب لا يتخلَّى عن عهده أو وعده فهناك دعوة للعودة، وبالتالي يتطلع ملاخي للخروج من المجادلات والاحتكاكات الوقتية إلى التطلُّع إلى الآتي الأفضل، وهكذا ضمَّت الجدلية المناظرات التالية: حب أم كراهية مخافة أم احترام كرامة أم احتقار إحباط أم رجاء غُبن أم امتياز قبل أم بعد تمسُّك أم تخلٍّ مقدس أم نجس رفض أم قبول تشجيعات أم تحذيرات هروب أم عودة خطأ أم صواب دمار أم تطهير ديمومة أم فناء سؤال أم جواب صراع ديني أم صراع أخلاقي قيم العهد أم حكمة بشرية حصرية أم اشتمالية فماذا قال ملاخي؟
No Comments.