لقد انشغل العقل المصري خلال السنوات العشر الأخيرة بالحديث حول الرعاية الصحية ونظم العلاج. ولم يقتصر هذا الاهتمام والانشغال على الدوائر الرسمية أو الحكومية فحسب، بل تعداها إلى المنتديات العلمية والمؤتمرات الشعبية والجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية في إطار انقسام حاد وواضح بدا جليًّا بين تيارين فكريين ومعسكرين أيديولوجيين وكتلتي مصالح اقتصادية واجتماعية متناقضة ومتصارعة. فمن ناحية تكونت جماعات سياسية واقتصادية طوال الثلاثين عامًا الماضية ترى في خصخصة الخدمات الصحية وإخضاعها لقانون العرض والطلب وجهاز الثمن الوسيلة المثلي لحسن استخدام الموارد الحكومية وتعززت هذه القوى برؤى مؤسسات تمويلية دولية مثل البنك الدولي I.B الذي طرح هذه الرؤية عبر عدة تقارير'وأبحاث'جرى تمويلها من خلاله فعرضت أفكارها مره تحت شعار استعادة نفقات الخدمات الصحية Recovery Cost وأخرى تحت عنوان إعادة هيكلة قطاع الصحة Restructure Health Sector وغيرها من العناوين والشعارات. وبالمقابل تشكلت جبهة واسعة من المستفيدين من النظام الصحي الحكومي بأوضاعه الراهنة، مع المطالبة بتحسينها ضمن تنوعات وتيارات عديدة تبدأ من الأطباء وأساتذة الجامعات مرورًا بالحركات السياسية والجمعيات الأهلية المدافعة عن حقوق الناس البسطاء في الرعاية الصحية انتهاء بالمستفيدين أنفسهم سواء من المتقاعدين وأصحاب المعاشات أو المواطنين المنتظمين تحت مظلة التأمين الصحي الاجتماعي Social Insurance Health. وما بين مؤتمرات تعقد في الفنادق الفاخرة لمناقشة مشكلات إدارة النظام الصحي القائم والذي ينظر إليه من قبل هؤلاء بأنه بقايا'الاشتراكية'الناصرية والعهد الشمولي وبين ندوات ومظاهرات احتجاجية تنظمها جبهة المعارضين لسياسات الخصخصة في المجال الصحي دارت واحدة من أصعب المعارك والصراعات. وما بين اعتبار الرعاية الصحية'كحق'وبين اعتبارها'نشاطًا'أو'صناعة'دارت تلك السجالات الفكرية والاجتماعية الحادة في البلاد. والآن وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 م والتي رفعت منذ اللحظة الأولى شعار العدالة الاجتماعية كيف هي الصورة لدي حكومات ما بعد الثورة وكيف نعيد بناء قطاع الصحة في مصر بما يلبي طموحات ومطالب الشعب المصري وفقرائه علي وجه الخصوص؟
No Comments.